آخر الأخبارمقالات

عامر محمد صالح يكتب … هل المفارق ( عينو قوية) حقا ؟

الخرطوم : السودان نيوز

 

ظل أحد الزملاء بالعمل في أيامي الأخيرة بالسودان يصفني ويردد على مسامعي عبارة المفارق عينو قوية كلما رآني ساهما .. أو غير مبال .. فوعدته بالرد بإستفاضة لاحقاً متى ما تسني لي ذلك .
معلوم بالتأكيد إن العبارة مأخوذة من كلمات الشاعر سليمان عبد الجليل ضمن البكائيات الثلاث التي كتبها المتعلقة بقضية تهجير أهالي حلفا وهي أغنيات (الرحيل والوصية ومساخة الحلة) والتي تغني بها الفنان حمد الريح ، ومن ثم تم تعميمها كتجربة إنسانية عاشها ويعيشها كل من فارق وطنه آملا أن يعود إليه يوما ما ، كنتاج طبيعي لقوة الإنتماء الوجداني والعاطفي للمنشأ والموطن وذكريات الصبا و الطفولة وماتمثله الأمكنة والشخوص فيها .
وإن تكن فترة سفري خارج البلاد التي لم تتم الشهر بعد ليست تجربة ثرة حقا للكتابة عن تجربة المسافرين بعيداً المفارقين لأوطانهم ، لكنني أحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس حولها .. كوني إبن رجل تغرب عن أطفاله لمدة تسعة عشرة عاماً .. لم يهنأ وأبنائه خلالها بالعيش معا سوي شهر من كل عام أحياناً .. ولأكثر من ذلك أحايينا أخرى .
ثمة ملاحظة .. إن غالب من كتب عن السفر والفراق وما إلى ذلك ركز في تقديري على أحاسيس ومشاعر المودع بكسر الدال .. لا المودع بفتحها .. وغفل عن إستدعائها والتعبير عنها لدي المفارق بقدر كاف – مقارنة بتعبيره عما تجيش به دواخل نظيره المستقر بوطنه ووسط آله .
لكن ذلك لم يمنع من وجود مخزون إبداعي عاطفي – كثر أو قل – عبر عن ذلك المفارق أيما تعبير .. صاغه أصحابه ومن عايشوه غالباً ومن عبر عنهم بشكل أو بآخر .. شعورا وأحاسيسا دفاقة .. لا أحرفا وكلمات فحسب ..

لو بالإيد أعيش
بينكم مدى الأيام
أغنيلكم
وإنتو تكونو لي إلهام
ونزرع ريد
وعالم كلو حب وسلام
لكن آه ..
وآه بتزود الآلام
أودعكم لا
أفارقكم لا
لا لا مابقدر
دموع بتغطي عينيا
وتبقى عشرة الأيام

وكل ما يرجوه هو ألا ينساه الأحبة الذين يسكنون دواخله .. ولاتبرح ذكراهم فؤاده

في الآخر وداعاً
أوعى تنسوني
أنا المشتاق
بشيلكم جوا
في عيوني
وبطراكم
عليكم الله أطروني

وهو هنا .. يغرق في الدموع والأشواق للعودة لهم رغم كل الصعاب ..

غريب وحيد في غربتو
حيران يكفكف دمعتو
حزنان يغالب لوعتو
ويتمنى بس لي عودتو

ويسهر مع الليل كثيراً .. والليل كما قال نزار قباني (يضخم أحزان الغرباء) ..

لما الليل يهود
يزيدنا هموم زيادة
وناس من بدري نامت
ووين لاقت مرادا
بس يا حليلنا نحنا
دموع تسقي الوسادة

ويتسآءل عن آثار فترة غيابه وهو يرى سنوات عمره تتسرب من بين يديه بعيداً عمن يحبهم ..

ولو حنيت لعهد الشوق
أجيب من وين عمر تاني ؟

وحين يغلبه الحنين والآهات .. يقوم بالمجئ لرؤيتهم بعد طول فراق ..

جيناكم ياحبايبنا
بعد غربة وشوق
نغالب فيهو ويغالبنا
ونكتم آهة ..
تظهر آهة تتعبنا
حنين لي شوفة
الغالين مدوبنا

ويعود لتذكر تلك الليالي الطوال وما إحتوته من شوق لهم ..

ليل السهد والغربة
شوق لي أهلي والصحبة

وكيف إن قمر الغريب مختلف .. مفتقر لكل دلالات القمر الطبيعية الحافلة بكل جميل ..

القمرا في ليل الغريب
ما زي قميراتنا الحنان

ولايجد من يشكو له .. ويهتم بأمره .. فيضطر لتخيل أمه .. والشكوى لها عما به .. وهل سوي الأم حين يعز من تسند كتفك عليه ..

ولدك في دروب
الشوق كتل
محروم من الحب
والمحنة وراك همل

ويواصل ..

يا يمة حال الغربة عاد
إن شاء الله يبقى على العدو
عمرو الغريب ما بعيش سعيد
لا أهلو بعدو بيسعدو
كلما يفكر في الرجوع
يلقى المقادير تبعدو
ويخاف يقع نص الطريق
ما يلقى إيدا تسندو.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: