حسن عبد الحميد يكتب : من المراقب إلى الرئيس.. يا لها من نقلة
الخرطوم : السودان نيوز

ذات مرة قلت ممازحا المراقب العام السابق، يبدو لي المراقب العام كشخص سحب كرسيا ثم جلس يراقب الناس، فهو مراقب وليس فاعلا، ومتفرج وليس عاملا، فتبسم المراقب العام ثم قال لي أنا نفسي لا تعجبني هذه الكلمة، لكنها وجدتها ولم استطع تغييرها.
وفي الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي 2022م أجرى مجلس شورى الإخوان المسلمين بالسودان تعديلا تاريخيا على القانون الأساسي للجماعة، وتم تغيير لفظ المراقب العام الذي يشير إلى المسئول الأول إلى الرئيس، وبذلك انتهى الضيق الذي لازم المراقب السابق، ولأن لفظة المراقب العام نفسها غريبة على المزاج السوداني.
ولكن من أين أتت كلمة المراقب العام، والمعروف تاريخيا أن أول مؤتمر عام للإخوان المسلمين في السودان والذي انعقد في أغسطس 1954م انتخب محمد خير عبد القادر سكرتيرا عاما للجماعة، ولم يسمه مراقبا عاما، ولكن الشيخ على طالب الله الذي كان يدير مجموعة صغيرة من الإخوان المسلمين قبل قيام المؤتمر العام كان يسمي نفسه مراقبا عاما، وقد تم تعيينه من قبل الإمام البنا، وعندما انعقد المؤتمر العام وسمّى محمد خير عبد القادر سكرتيرا عاما، لم يعترف الشيخ علي طالب الله بنتيجة المؤتمر، بل قدم شكوى إلى المركز العام للإخوان المسلمين وإلى مكتب الإرشاد يشكو هذه المجموعة، وقد علق حسن مكي في كتابه عن الإخوان المسلمين في السودان على هذه الحادثة بملاحظة ذكية، إذ أشار إلى أن المراقب العام كأنما ينال شرعيته من القاهرة لا من الخرطوم.
ولعل أشهر الإخوان السودانيين الذين خرجوا على سيطرة ومركزية القاهرة هو الدكتور حسن الترابي، إذ لم يبايع المرشد الجديد حسن الهضيبي الذي خرج من السجن في سبعينيات القرن الماضي، وذكر ذلك في حلقات الجزيرة الشهيرة شاهد على العصر، ومع اختلافنا الفكري والسياسي مع الدكتور الترابي؛ إلا أن النظر التاريخي يشير إلى أن الدكتور الترابي كان محقا في قراره، ورغم ذلك فالثابت تاريخيا أن التنظيم العالمي لم يفصل الدكتور الترابي رغم عدم مبايعته، ورغم وجود تنظيم آخر للإخوان المسلمين بالسودان في أواخر سبعينيات القرن الماضي برئاسة الدكتور الحبر يوسف، وظل الدكتور الترابي يحضر اجتماعات التنظيم العالمي كمراقب إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر؛ فإن دستور التنظيم العالمي ينص على أن المرشد العام للإخوان المسلمين في العالم لا بد أن يكون مصريا، وتتداول طرفة عن الشيخ سياف؛ إذ يروى عنه أنه قال للمصريين إذا كنتم تريدون النص على جنسية المرشد وأصله، فالأفضل أن تنصوا على أن يكون قرشيا، لأن هذا الشرط تسنده بعض الأحاديث النبوية، ثم أردف قائلا، وبالمناسبة أنا قرشي.
ووصف المسئول الأول للإخوان في قطر من الأقطار بأنه المراقب العام ليس موجودا فيما نعلم اليوم إلا في الأردن وسوريا، وبقية الدول العربية التي يتواجد فيها الإخوان المسلمون لا يسمون المسئول الأول مراقبا عاما.
وعود على بدء؛ فإن القرار التاريخي الذي اصدره مجلس شورى الإخوان المسلمين في السودان أواخر ديسمبر 2022م يحقق عدة فوائد، فهو أولا متماش مع المزاج السوداني الذي يألف كلمة رئيس ويتعامل بها على مستوى الأحزاب والتنظيمات والاتحادات وعلى مستوى الدولة نفسها، والتعديل أيضا يقر ضمنا ونصا النظام الرئاسي الذي يجعل الرئيس مسئولا عن اختيار فريق عمله، فهو الذي يعينهم، ثم يعرضهم بعد ذلك على مجلس الشورى، وهذا تعديل آخر تم في نفس الجلسة؛ إذ كان النص السابق في القانون الأساسي يسلب المسئول الأول بعض هذا الحق، فرجع إليه كاملا بعد التعديل.
من المتوقع أن يؤدي التعديل الذي أجراه مجلس الشورى على كلمة المراقب العام واستبدالها إلى الرئيس إلى حراك واسع وتطوير في جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وهو ما نأمله من الرئيس مولانا سيف الدين أرباب الذي تم انتخابه كأول رئيس للإخوان المسلمين في السودان.
#شبكة_السودان_نيوز